كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل الوظائف وحقوق الموظفين
- almulla legal

- Sep 23
- 2 min read
لا جدال في أن الذكاء الاصطناعي لم يعد ترفًا تقنيًا أو مقتصرًا على شركات التكنولوجيا الكبرى. فقد تسلل إلى تفاصيل حياتنا اليومية — من التطبيقات على الهواتف المحمولة إلى أنظمة تشغيل المصانع، ومن أدوات تحليل الأسواق إلى غرف اتخاذ القرار. ومع ذلك، ما يثير أكبر قدر من الجدل اليوم حول الذكاء الاصطناعي ليس ما يمكنه القيام به، بل ما قد يسلبه منا… وبشكل خاص، الوظائف.
في المجتمعات التي تعتمد استقرار الأسرة فيها على العمل الآمن، وتبنى الخطط المالية على سنوات الخدمة والتدرج الوظيفي، يقلب الذكاء الاصطناعي هذه المفاهيم رأسًا على عقب. الوظائف التي كانت تتطلب فريقًا من المحاسبين أو المحللين يمكن الآن للخوارزميات إنجازها في دقائق. المهام التي كانت تستغرق أيامًا من المراجعة والموافقة أصبحت الآن مؤتمتة بنقرة واحدة فقط. والسؤال هنا: ماذا سيفعل صاحب العمل؟ وماذا سيفعل الموظف؟
من منظور أصحاب العمل، يظهر الذكاء الاصطناعي كفرصة ذهبية لخفض التكاليف، وزيادة الكفاءة، وتقليل الاعتماد على القوى البشرية. ومع الوضع الواقعي للعديد من الشركات المثقلة بالتزامات نهاية الخدمة، والتأمينات، والإجازات، يكون الإغراء كبيرًا. اليوم، نشهد بهدوء بعض الشركات تعيد هيكلة قوة العمل، وتستغني عن الخبرات المكلفة، وتستبدلها إما بأنظمة ذكية أو بموظفين بأجور أقل وأقل مطالبة وأقل مقاومة.
لكن، من الجانب الآخر، تعمل القوانين كحاجز — على الأقل من المفترض ذلك. الأنظمة الحالية للتوظيف لا تزال قائمة على مفاهيم “الاستمرارية”، و”الموظف الدائم”، و”الحقوق المكتسبة”، مثل مكافأة نهاية الخدمة المحسوبة بناءً على سنوات العمل. هنا يكمن التناقض: كيف يُطلب من الشركات الابتكار والتكيف مع التكنولوجيا بينما تُقيد قانونيًا بأنماط التوظيف قبل الثورة الرقمية؟
بدأت بعض الشركات في اعتماد حلول هجينة: زيادة التوظيف الجزئي، العقود المؤقتة، أو العمل عن بعد عبر مكاتب افتراضية في دول أخرى لتجنب الالتزامات القانونية المكلفة. وبينما يبدو هذا النهج اقتصاديًا، فإنه يفتح الباب أمام سوق عمل هش لا يحمي العمال، ولا يضمن حقوقهم، ولا يعزز الاستقرار الاجتماعي.
والأهم من ذلك، هناك نقص في التشريعات الواضحة التي تنظم العلاقة بين “الذكاء الاصطناعي” و”قانون العمل”. هل يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي موظفًا؟ هل تقليص القوى العاملة بسبب الذكاء الاصطناعي مبرر قانونيًا للفصل؟ هل تُحسب مكافآت نهاية الخدمة إذا تم استبدال الموظف ببرنامج برمجي؟ العديد من الأسئلة لم تُجب بعد، لكن آثارها بدأت تظهر عمليًا.
من ناحية أخرى، هناك رؤية أكثر تفاؤلًا. الذكاء الاصطناعي لا يقضي على الوظائف، بل يعيد تشكيلها. نعم، بعض الوظائف التقليدية ستختفي، لكن ستظهر وظائف جديدة في تحليل البيانات، والأمن السيبراني، وتطوير الحلول الذكية، وإدارة المحتوى، وحتى تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي نفسها. تتطلب هذه الأدوار الجديدة مهارات مختلفة، مما يدفع سوق العمل إلى التحرك بسرعة نحو تدريب وتطوير الكفاءات.
هناك أمل في إعادة النظر في النظام الوظيفي بأكمله، بما في ذلك تحديث تعريفات الوظائف، وتنظيم ترتيبات العمل الحديثة، وربما إعادة هيكلة نظام مكافآت نهاية الخدمة ليصبح أكثر مرونة — قائمًا على الأداء الفعلي والقيمة المضافة، بدلًا من الاعتماد فقط على سنوات الخدمة.
الذكاء الاصطناعي لا يأتي للقضاء على البشر؛ بل يهدف إلى تحريرهم من المهام الروتينية ومنحهم الفرصة للتركيز على ما لا تستطيع الآلات القيام به: الإبداع، والأخلاقيات، واتخاذ القرارات المسؤولة. ولكن لكي ينجح هذا التحول، يجب أن تتطور الوعي التشريعي ليواكب ذكاء التكنولوجيا نفسها.

